المادة    
قال المصنف رحمه الله: [فأول مراتب تعظيم الأمر: التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به، والحذر عن القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح مع الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأموراً].. هذه المراتب تدل على حال المؤمن وعلى درجات الإيمان.
فالإيمان عند أهل السنة والجماعة يشمل القول والفعل الظاهر والباطن، فأول مراتب الإيمان هي: فعل القلب الذي هو التصديق بأن هذا حق، وأن الله سبحانه وتعالى أمر به أو شرعه، فإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر فأول شيء يجب علينا هو: أن نصدقه صلى الله عليه وسلم أن هذا من عند الله.
ومثال ذلك: الصلاة؛ فإن أول ما يجب علينا فيها: أن نصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ما جاء من الأمر بها في الكتاب أو السنة أنه من عند الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما بلغنا عن ربنا تبارك وتعالى.
"ثم العزم الجازم على امتثاله" فبعد قول القلب واعتقاده وتصديقه وإقراره يكون عمل القلب، وهو: العزم والنية واليقين والإخلاص، وهذه كلها من أعمال القلب، والشيخ هنا يريد أن يتكلم عن مسألة التطبيق والامتثال فقط، ولذلك يقول: العزم الجازم على امتثاله.
إذاً: يعقد النية والعزم، فمثلاً: يقول: الله أمر بالصلاة، وحرم الزنا والاختلاط، فأنا سأمتثل ما أمر الله به، وسأنتهي عما نهى الله عنه.
[ثم المسارعة إليه والمبادرة به، والحذر عن القواطع والموانع]، والقواطع والموانع كثيرة، وكم قد قطعت من عزائم الرجال! فلابد أن تتصل العزائم وتنفذ الأعمال، وإلا فكم من إنسان عزم وهم وجزم ففترت الهمة! وقد سئل بعض السلف: بم عرفت ربك؟ فقال: بضعف الهمم وانقطاع العزائم.
ولهذا فاق السلف من الصحابة رضي الله عنهم كل من جاء بعدهم؛ لأنهم يعزمون ويهمون، فلا تضعف الهمة ولا تنقطع العزيمة.
أما حالنا -نحن الشباب- اليوم، فإلى الله المشتكى!
فلا يكفي الإنسان التصديق والعزيمة؛ بل يحذر من القواطع والموانع التي تصرفه عن عبادة الله والدعوة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، وطلب العلم.
[ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه]، ومن هنا نعرف أهمية العلم، وأن ذلك من الجهاد، وبذل الجهد لمعرفة الحق، لكي تؤدى العبادة كما أمر الله، أياً كانت هذه العبادة.
[ثم فعله لكونه مأموراً به]، وبعد ذلك فعله لأن الله أمر به، وأثناء الفعل يستحضر الإخلاص، فإذا قيل له: لم تفعل هذا ؟ قال: لأنني عبد تعبدني ربي وأمرني أن أفعل.
يقول المصنف رحمه الله: [بحيث لا يتوقف الإتيان به على معرفة حكمته، فإن ظهرت له فعله، وإلا عطله، فإن هذا ينافي الانقياد ويقدح في الامتثال].
إذاً: في أي حال من هذه الأحوال ابتداءً بالتصديق وانتهاءً بتنفيذه وفعله خالصاً لوجه الله، لا يخطر على بال المؤمن أبداً أنه يتوقف عن الإتيان به حتى تظهر له الحكمة التي من أجلها شرع هذا الأمر أو نهي عنه، هذا مع ما أسلفنا من إيماننا بأنه سبحانه وتعالى لم يتعبدنا بشيء إلا وفيه حكمة، لا شك في ذلك ولا ريب، فهو سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة في كل أمر وفي كل فعل، وهذا مقتضى اسمه الحكيم، فله الحكمة في خلق السماوات والأرض، وله الحكمة في إرسال الرسل وإنزال الكتب، وله الحكمة في تحريم ما حرم، وفي إيجاب ما أوجب سبحانه وتعالى، فما من فعل من أفعاله، ولا أمر من أوامره، ولا نهي من نواهيه، إلا وله في ذلك حكمة، لكن قد نعلمها وقد لا نعلمها؛ فلا يتوقف إيماننا بالله أو عملنا بأمره ونهيه الذي فيه حكمة على معرفة الحكمة والتفاصيل.